المشاركات

عبء الإثبات

  على من يقع عبء الإثبات؟ نظرية المعرفة المعدلة والعقيدة الإسلامية يهدف الباحث جيمي ترنر في هذا المقال إلى رسم ملامح نظرية معرفية متماسكة وبيان العلاقة بينها وبين العقيدة الإسلامية. ومن خلال ذلك يسوق الدلائل على أن شروط المعرفة مستوفاة في العقيدة الإسلامية دون اللجوء إلى دلائل فلسفية. وكذلك يهدف إلى بيان أن المؤمنين بالعقيدة الإسلامية فيما يخص الإيمان بوجود الله لا يتحملون عبء الإثبات. هناك فرضية قائلة بأن من يؤمنون بوجود الله هم من يقع على عاتقهم عبء الإثبات حتى تكون لديهم معرفة او علم بصحة ما يؤمنون به. ولأن المؤمنين لا يتوفر لديهم ذلك الإثبات فليس لديهم معرفة أو علم بصحة ما يعتقدون. ودعونا نطلق على تلك الفرضية " الاعتراض الإثباتي على وجود الله" evidential objection . المؤيدون لهذا الفرضية يتصورون أن الدلائل الفلسفية على وجود الله وحدها تشكل الأساس السليم أو الأرضية التي يبنى عليها الإيمان بوجود الله. ودعونا لا نتطرق إلى كون الأدلة الفلسفية التي تساق للدلالة على وجود الله كافية لتسويغ الاعتقاد في وجوده.   لكن حري بنا أن نتوقف للحظات لنتأمل السؤال التالي: ألا توجد

الفطرة وعلم الإدراك

 تناولت العديد من الأعمال الأكاديمية نظرية المعرفة عند ابن تيمية ومفهومه عن الفطرة، لكن لم يقم أي عمل حتى الآن بتحليل آراءه  بالنظر إلى العلوم البيولوجية والنفسية الحديثة. وعلى وجه الخصوص، فإن "علم الإدراك الديني" CSR هو ذو أهمية قصوى لأطروحات ابن تيمية. فهو يبحث في كيفية ارتباط الإدراك البشري بالتجربة الدينية (Guthrie 1993; Atran 2002; Barrett 2011; Bering 2011; Johnson 2016). ويؤكد أن جوانب معينة من  النفس البشرية، بما في ذلك الإدراك والعواطف والبديهات والسلوكيات وما إلى ذلك، إما أن تكون فطرية أو يولد بها الطفل أو تتطور بشكل طبيعي مع نضوج الأطفال على اختلاف الأعراق والثقافات (Atran 2002; Barrett 2004; Kelemen 2004; Petrovich 2019). يشير علم الإدراك الديني  إلى أن هذه السمات الكلية المتجذرة في الطبيعة البشرية تفسر لماذا تشترك الأديان التي تطورت بشكل مستقل عن بعضها البعض تاريخياً في قواسم مشتركة مثيرة للدهشة على الرغم من اختلافاتها العديدة. هذه القواسم المشتركة هي نتاج للآليات البيولوجية والنفسية الأساسية التي يتقاسمها جميع البشر. تشير التجارب النفسية، على سبيل المثال، إلى أن

مسألة التخييل

  مسألة التخييل في النصوص الأدبية ينبغي تناولها بالنقاش أولا لأنها متعلقة ببعض مسائل الإعجاز العلمي الذي يأتي في صورة تشبيه مثل التشبيه في قوله " كزرع أخرج شطأه" و قوله "فأصابها إعصار فيه نار" وقوله "أو كظلمات في بحر لجي". فهل كان هناك تخييل في النصوص الأدبية العربية قبل العصر العباسي وظهور اتجاه المحدثين في الشعر؟. فالمدرسة النقدية القديمة كانت تعتبر التشبيه المركب الخيالي والتخييلي كلاهما من الكذب الذي يخالف طريقة القدماء  ولا تستحسنه والذي استجد في  اتجاه المحدثين من الشعراء. وللإيضاح  فالمركب الخيالي من قبيل قول الصنوبري في وصف زهرة شقيقة النعمان:   أعلام ياقوت نشر ... ن على رماح من زبرجد. فهو يصف بتلات الزهور وسيقانها كأنها رايات من حجر الياقوت نشرت على  رماح من الزبرجد. ففي الواقع لا يوجد راية تبسط بعد طيها مصنوعة من الياقوت لأنه حجر لا يطوى ولا يبسط.  أما التخييلي من قبيل قول ابن طباطبا: لا تعجبوا من بلى غلالته ...  قد رز أزراره على القمر.   الغلالة هي نوع من الثياب الداخلية. والبلى أي التلف والمعنى لا تعجبوا من تلف ثوبه فقد لبسه القمر (فه

الجمع بين عدل الله وقدره

  قبل الشروع في بيان عدم التعارض بين حرية الإرادة والقدر، وكذلك أنه لا منافاة بين عدل الله وقدره  ومعاقبة المذنبين على أفعالهم  ينبغي لنا أن نستعرض على نحو موجز المذاهب المختلفة في تلك القضايا وبيان الصائب منها. حرية الإرادة انقسم الفلاسفة و المفكرون بشأن حرية الإرادة إلى طرفي نقيض ووسط بينهما. أما طرفا النقيض فهما الحتمية الصلبة    Hard Determinism  أو الجبرية من جهة، و التي تنفي مسئولية الشخص الأخلاقية عن أفعاله، و الإرادة الحرة بمعنى نفي القدر أو مايسمى   بالليبرتالية   Libertarianism   أو  بالقدرية من جهة أخرى. أما الموقف الوسط هو ما يعرف بالحتمية اللينة أو التوافقية  Compatibilism or soft determinism  والذي لا يرى تعارضا بين حرية الإرادة من جهة ومن ثم مسئولية الإنسان عن أفعاله التي تصدر عن إرادة منه وبين الحتمية بمعنى أن الأفعال الصادرة عن إرادة الإنسان لها أسباب سابقة عليها تحتمها. والحتمية تنقسم إلى قسمين: داخلية بمعنى أن الأسباب المتحكمة في سلوك الإنسان داخلية متعلقة بالعوامل البيولوجية كالبنية العصبية و الهرمونات و العوامل النفسية  كالمعتقدات و كالرغبات  و المشاعر و السمات ال