الرسائل الرعوية Pastoral letters

 هذا الموضوع كتبته ونشرته قديما في منصات أخرى


الرسائل  الرعوية Pastoral letters

 

لم  تكن الرسائل الرعوية  Pastoral Epistles وهى  الرسائل إلى  طيتس  وتيموثاوس الأولى  والثانية ضمن  الأسفار المعترف بها من قبل ماركيون  Marcion  والتى  تشكلت قائمة بها حوالى عام 140 م .  ولايوجد اقتباس مؤكد من هذه الرسائل قبل ما كان  من إيرينايوس   Irenaeus  حوالى العام 170 م  ولقد لخص  نورمان بيرين Norman Perrin أربعة أسباب  ضمن جملة أسباب قادت الدراسات النقدية  لاعتبار هذه الرسائل الرعوية رسائل ملفقة (1) .

أولها : سبب متعلق بالاحصاءات  فمن جملة 848 كلمة واردة فى الرسائل الرعوية ( مع استبعاد أسماء الأعلام )  306 كلمة لا توجد فى رسائل  القديس بولس الأخرى  يدخل فى ذلك الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكى  والرسالة إلى  أهل كولوسى والرسالة إلى أفسس . ومن هذه 306 كلمة  175 كلمة لم ترد فى أى موضع آخر من العهد الجديد  فى حين أن 211 كلمة تنتمى إلى المفردات المستخدمة من قبل الكتاب المسيحيين فى القرن الثانى الميلادى . ففى الحقيقة  مفردات الرسائل الرعوية أقرب  إلى الكتابات الفلسفية  الإغريقية  الشعبية  منها إلى كتابات  القديس بولس   فضلا عن ذلك فالرسائل الرعوية تستخدم مفردات القديس بولس فى غير المعنى الذى كان القديس  بولس يستخدمها فيه   على سبيل المثال  كلمة " pistis "  فى رسائل بولس جاءت بمعنى عقيدة faith  بينما فى الرسائل الرعوية جاءت بمعنى مجموعة العقائد المسيحية وهو ما يمثل اصطلاحا جديد .

ثانيها :  متعلق بالأسلوب الأدبى  فأسلوب  كتابة بولس  باليونانية يتسم بالديناميكية [ بمعنى أنه مفعم  بالحيوية  والحماسة  والأفكارالجديدة  ] ، والثورات العاطفية  ، واستحضار خصوم أو شركاء  حقيقيين أو خياليين فى الحوار  فى حين أن الرسائل الرعوية هادئة وتأملية فى أسلوبها  وهذا أقرب إلى  أسلوب الرسالة إلى العبرانيين  أو رسالة بطرس الأولى أو  حتى  الأسلوب اليونانى الهلنستى الأدبى بوجه عام  منه إلى  الرسائل إلى أهل كورنثوس  أو رومية ، دع الرسالة إلى أهل غلاطية .

ثالثها : وضع القديس بولس المتضمن فى  هذه الرسائل ،  فوضع بولس المتصور فى هذه الرسائل لا يمكن أن يتلام بأى شكل من الأشكال مع  أى نموذج من نماذج إعادة بناء حياة بولس وأعماله كما نعلمها من الرسائل الأخرى أو يمكننا أن نستنبطها من سفر أعمال الرسل  . فلو أن بولس كتب هذه الرسائل لابد وأنه أطلق أولا من سجنه بروما للمرة الأولى وقام بالترحال فى الغرب  لكن هذا التلقليد الهزيل كما هو بين أيدينا  يبدو أنه مجرد استنتاج لما كان يفترض أن يحدث  بناءا على ماهو مفصل من خطط  فى الرسالة إلى  أهل رومية  أكثر من كونه يعكس حقيقة تاريخية معلومة .

رابعها : أن هذه الرسائل تعكس ملامح الكاثوليكية الناشئة  { أى  ما يتصل بالكنيسة الرومانية الكاثوليكية  من تنظيم و مبادىء وعقائد وطقوس وشعائر ونحو ذلك }  ( باعتبار أن هذا متأخر عن زمان بولس ) فهذه الرسائل جنبا إلى جنب  مع رسالة بطرس الثانية تعكس هذه الملامح  فلا يمكن للقديس بولس أن يكون دون هذه الرسائل أكثر من كون لا يمكن للقديس بطرس أن يكون دون الرسالة الثانية التى تحمل إسمه .

 

علاوة عن ذلك يضيف كوميل Kummel  (2) ( بتصرف ) :  فضلا عن التنبؤات بشأن ظهور معلمين كذبة فى " آخر الزمان  "  (I Tim 4:1 ff; II Tim 3:1 ff, 13; 4:3 f)  يوجد إشارات إلى وجود المعلمين الكذبة بالفعل وإرشادات بشأن مكافحتهم  (I Tim 1:3 ff, 19 f; 6:20 f; II Tim 2:16 ff; 3:8; Tit 1:10 ff; 3:9 ff) ... وبما أنه لايوجد فى أى موضع من الرسائل الرعوية ما يدل على  وعى الكاتب بوجوده فى " آخر الزمان " .... فنحن إذا فى مواجهة أسلوب أدبي تقليدي  متكرر [ التنبؤ بالشىء بعد وقوعه أو vaticinium ex eventu  ( أى محاربة البدع و التعاليم الزائفة من خلال الزعم أنه تم التنبؤ بها قبل ظهورها )  ] ...والأظهر من هذا هو مسألة كيفية مواجهة المعلمين الكذبة  فبخلاف ما هو معمول به فى الرسالة إلى أهل كولوسى  فآراء المعلمين الكذبة ووُجِهت فقط بمجرد الإشارة إلى التعاليم التقليدية  والتى انحرف عنها المعلمون الكذبة والتى يجب التمسك  بها  فعدم وجود مناقشة و تفنيد  مستقل  (لهذه التعاليم الزائفة ) لا يمكن تفسيره بناءا على ان بولس لم يجد أن " هراء" المعلمين الكذبة  يستحق منه عناء المواجهة وأن تيطس وتيموثاوس نفسيهما يعلمان ما يتوجب عليهما قوله  من أجل تفنيد  تعاليم هؤلاء المعلمين الكذبة  لأنه فى هذه الحالة لم يكن هناك حاجة لجعل هذين المخاطبين على وعى بمخاطر هذه التعاليم الزائفة بشكل مفصل  على نحو ما هو وارد فى تلك الرسائل . وهذا يمكن تفسيره فقط فى إطار القول بأن بولس لم يكتب هذه الرسائل .

وفى مدخل الرسائل الرعوية من النسخة الكاثوليكية New American Bible  نقرأ : أن معظم العلماء على قناعة من أن بولس لا يمكن أن يكون وراء المفردات  ولا الأسلوب ولا تصور التنظيم الكنسى ولا التعبيرات اللاهوتية الواردة فى تلك الرسائل .

وفى دائرة المعارف البريطانية (3) : الحقائق اللغوية ــ .... ، استخدام مفردات مغايرة  للدلالة على نفس الأشياء .....كل هذا يشكل دليل حاسم إلى حد كبير ضد نسبة الرسائل إلى بولس .

ويضيف أستاذ العهد الجديد أيان  هوارد  مارشال  I. H. Marshall  (4) : بناءا  على اللغة  والمحتوى وبعض العوامل الأخرى فإن الرسائل الرعوية  تعد على نطاق واسع  على أنها ليست بواسطة القديس بولس بل دونت بعد وفاته .

وفى تفسير أكسفورد للكتاب المقدس :  فى حين أن عدد قليل وآخذ فى التقلص من العلماء لايزال يقول بنسبة الرسائل لبولس فالغالبية  يرون أن  القيمة المتواضعة للكاتب  واعجابه ببولس وراء كاتبته تحت إسم مستعار (5)

طيتس 2 : 13   

من الأدلة التى يسوقها المسيحيون  على ان العهد الجديد يقول بألوهية المسيح  هو العدد 13 من الإصحاح 2 من الرسالة إلى طيتس : مُنتَظِرينَ السَّعادَةَ المَرجُوَّة وتَجَلِّيَ مَجْدِ إِلهِنا العَظيم ومُخَلِّصِنا يسوعَ المسيحِ . على اعتبار ان وصفى  " الإله العظيم " و " المخلص " هنا خاص بالمسيح

إلا أن هذه الترجمة فيها نظر ويذكر العلماء أن النص اليونانى غامض ويحتمل  ترجمة مغايرة  بديلة  ففى تفسير أكسفورد  (6) : النص اليونانى للعدد 13 من الاصحاح 2 غامض . الواقع أن النسخة المراجعة القياسية الجديدة NRSV تجعل من المسيح المخلص والإله العظيم  لكن بما أن المسيح لم يُدعى فى أى موضع آخر من الرسائل الرعوية إلها ـ بل إن بشريته تم التوكيد عليها فى  تيموثاوس الأولى  2 : 5 ـ  فإن اختيار الترجمة البديلة : عودة مجدإلهنا العظيم وعودة مخلصنا يسوع المسيح . هو من باب أولى .

وقد تم التنبيه على ذلك فى حاشية الإصحاح من  النسخة الإنجليزية المعاصرة CEV  وكذلك اختيرت الترجمة البديلة هذه فى النسخة الكاثوليكية New American Bible .

 

 

 

 

----------------------

(1) The New Testament: An Introduction, pp. 264-5

(2) W. Georg Kummel, Introduction to the New Testament, pp. 371-84

(3) "biblical literature." Encyclopædia Britannica. Encyclopædia Britannica 2007 Ultimate Reference Suite. Chicago: Encyclopædia Britannica, 2010.

(4) I.H. Marshall, A Critical and Exegetical Commentary on the Pastoral Epistles (International Critical Commentary; Edinburgh 1999), pp. 58 and 79

(5) Oxford Bible Commentary , p. 1220

(6)Oxford Bible Commentary , p.1232

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البشارة في الإنجيل

مناهج الغربيين في الحديث النبوي

الفطرة وعلم الإدراك