حجم الدليل وحجم الإدعاء

حجم الدليل وحجم الإدعاء

التصور القائل أن حجم الدليل لابد وأن يتناسب مع حجم الإدعاء عبر عنه كثير من المفكرين كديفيد هيوم ولابلاس وكارل سيجان وآخرون بعبارات متقاربة. و لعل أدقها عبارة لابلاس: وزن الدليل على الإدعاء غير الاعتيادي لابد وأن يتناسب مع مدى غرابة الإدعاء. وعلى هذا يتكىء الملاحدة أو بعضهم على الأقل في جعل خوارق العادات أو المعجزات شرطا للنبوة.
حتى إن بعضهم استند للقرآن نفسه في تقرير هذا الزعم مستشهدا بقول إبراهيم عليه السلام للجبار الذي إدعى الألوهية أن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب.
لكن ههنا لابد أن نفرق بين كون التصور المتعلق بحجم الإدعاء وحجم الدليل صحيح وبين كون ذلك يستلزم المعجزات الحسية كشرط لصحة النبوة.
أما إدعاء الجبار وكونه يستلزم دليلا من جنس خرق العادة الذي طالب به إبراهيم عليه السلام فهذا صحيح إلا أن هذا لا يستتبع أن إدعاء النبوة يستلزم خرق العادات أيضا لأنه شتان بين إدعاء النبوة وإدعاء الألوهية.
ولذلك لما سألت قريش النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون له بيت من زخرف أو يرقي في السماء وقالوا لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه أمره الله أن يرد عليهم بالقول: هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولاً.
فالنبي لم يدع أصلا إمكانات فوق طاقات البشر فضلا عن إدعاء الإلوهية كي يطالبوه بخوارق العادات. فإذا أرسل ملك من الملوك مثلا رسولا برسالة يكفي أن تكتنف هذه الرسالة الأمارات الدالة على صحتها كأن يكون الرسول نفسه معروف عنه أنه ثقة أو أن تكون الرسالة مختومة بختم الملك وأن يكون محتوى الرسالة نفسه ليس غريبا أو يصادم البديهة و أن يكون الناس أصلا متوقعون لهذه الرسالة أو ينتظرونها. لكن لا يلزم أن يسير معه الملك جيشا أو يزوده بمال وفير لا يقدر عليه سوى الملوك مثلا.
لكن إن كان المرسل إليهم ينكرون وجود الملك أصلا أو يشككون فيه وجوده. أو لا ينتظرون أو يتوقعون منه رسالة أصلا كيف سيكون رد فعلهم على الرسول المرسل إليهم؟ بطبيعة الحال سيختلف عن رد فعل الطائفة الأولى.
ولذلك فإن الجدال مع الملحد و اللاأدري حول صحة النبوة هو نوع من العبث لأنهم بمنزلة الذي ينكر أو يشكك في وجود الملك أو في أفضل الأحوال كما هو حال اللاأدري لا يتوقع الرسالة ولا ينتظرها.
ولذلك فقبل الحديث عن النبوة لابد أن يسلم هؤلاء أولا بوجود الله ثانيا بأنه لابد أن يبلغ للناس مراده منهم وأنه لم يخلق هذه الدنيا عبثا ومن هذا الباب قوله تعالى: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ. وقوله: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ . ولذلك فالمغالطة التي يقع فيها الملاحدة كما وقع فيها مشركو مكة أنهم يطالبون بالدليل على الألوهية وليس النبوة.
وليس معنى ذلك أن الرسل لم يؤيدوا بالمعجزات لكن هناك فرق بين كونهم أرسلوا بالآيات الحسية وكونها شرطا لصحة النبوة. فإرسال الرسل بالآيات هو إمعان فى إقامة الحجة مثل القرية التي أرسل إليها رسولان وعُزِّزا بثالث بالرغم من أن رسولا واحدا يكفي لإقامة الحجة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البشارة في الإنجيل

مناهج الغربيين في الحديث النبوي

الفطرة وعلم الإدراك