هل القرآن به إبهام؟

هل القرآن به إبهام؟

أولا ماذا يقصد بالإبهام؟ هل ما يقابله في اصطلاح الفلاسفة بـالملتبس  Ambiguous  ويعرف في الاصطلاح القرآني بالمتشابه أو احتمال الأوجه كما في قول على بن أبي طالب رضي الله عنه : لا تُخاصِمْهم بالقُرآن؛ فإنَّ القُرْآن حمَّالُ أوجُه.
أم ما يقصد به ما يقابله في اصطلاح الفلاسفة بالغامض vague أي ماليس له معنى واضح؟
أما الأخير فلا وجود له في القرآن والأحرف المقطعة في أوائل السور ليست جمل كي ينطبق عليها كونها غامضة أم لا.
أما الأول فقد وقع في القرآن لكنه عن قصد و القرآن أشار إلى ذلك
والمقصود احتمال عدة معاني صحيحة وهذا وجه من وجوه البلاغة
ومن هذا الباب قوله عليه الصلاة و السلام فيما أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت بجوامع الكلم"
المراد بها: القرآن، بقرينة قوله (بعثت) والقرآن هو الغاية في إيجاز اللفظ واتساع المعاني
ولكن :لا يَنبغي أن يُساءَ هذا الفَهْم لتُحمَّل الآيات ما لا تَحتمل، ويُستَخْرَج منها ما لا تدلُّ عليه، كما فعل الحرورية.
و الالتباس يستخدم أحيانا كأداة أدبية literary device للإيحاء بمعاني أعمق من ظواهر الكلمات أو في الدعابة كقول غروتشو ماركس:
One morning I shot an elephant in my pajamas. How he got into my pajamas I’ll never know
فالجملة الأولى تقول: أنه أطلق النار على الفيل وهو مرتديا بجامته. لكن "مرتديا بجامته" تعود على من؟ على غروتشو ماركس أم على الفيل؟ ما يوحي به المنطق الطبيعي أنها عائدة على غروتشو ماركس لكنك ستفاجأ في الجملة التالية أن المقصود أن الفيل هو الذي كان مرتديا بجامته وأنه لا ولن يدرى كيف ولج الفيل في بجامته. فالفكاهة في العبارة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالالتباس.
والإبهام أو الالتباس  لم ييحقق مكانة كأداة فنية جديرة بالثناء حتى ثلاثينيات القرن الماضي عندما نشر الناقد الأدبي " ويليام إمبسون " كتابه " سبعة أنواع من الإبهام ". و الإبهام قد يكون إبهام على مستوى صياغة العبارات semantic أو على مستوى بنية الرواية  narrative structure  وقد يصنف الإبهام إلى مقترن conjuctive و مفترق  disjunctive. أما المقترن فيعني أن التأويلات المتعددة المحتملة يكمل بعضها بعضا وأما المفترق فيعارض بضعها البعض والمقصود أن الالتباس ليس بالضرورة عيب في الصياغة إن كان له غرض مقصود.
ومن أمثلة ذلك في الحديث النبوي قول النبي: لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة.
فالغرض هو التعجيل بالخروج أو جواز تأخير الصلاة لعذر شرعي فقد فهمه بعضهم على أن يسرع في الخروج كي يدرك العصر هناك وبعضهم فهمه على ألا ينشغل بصلاة العصر إن أدركته في الطريق عن الوصول سريعا إلى هناك ولم يعنف أيا من الفريقين.
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ.
فهذا قد يفهم منه أن المقصود أن الله استخرج من آدم جميع ذريته وخاطبهم بذلك على صعيد واحد. أو يفهم أن الله أخرجهم جيلا بعد جيل  وأشهدهم على أنفسم بما فطرهم عليه من معرفته وتوحيده وبإرسال الرسل إليهم ويكون قولهم شهدنا بلسان الحال لا بلسان المقال بالضرورة.

ومثال ذلك قصة الخصم اللذين تسورا المحراب فدخلا على داود ففزع منهما فقالا نحن خضمان بغى بعضنا على بعض ثم قص أحدهم عليه قصة مفادها أن لأحدهما نعجة وللآخر تسع وتسعون فطلب هذا الأخير من الأول أن يضم نعجته إلى نعاجه. فهذا قد يفهم منه نعجة على الحقيقة أو قد تكون النعجة مثل مضروب للزوجة. وطلب ضمها هو تطليقها ليتزوجها صاحب التسع وتسعين زوجة، ثم قد يكون المقصود من الخصمين نفس المتكلمين أو أنهما مثلان مضروبان لداود وأوريا الحثي على ماورد في أسفار أهل الكتاب.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البشارة في الإنجيل

مناهج الغربيين في الحديث النبوي

الفطرة وعلم الإدراك