تأليه عزير ومريم

تأليه عزير ومريم
العزير هو عزرا الكاهن واسمه في الأصل "عزرياهو" עזריהו
فإسم عزرا עֶזְרָה في العبرانية يعني عون أو مساعدة وكذلك عزيرٌ في العربية من الفعل عَزَر مصدره عَزْر أي أعان عونا لكنه على وزن التصغير "فعيل"
وقد كان شخصية محورية في التاريخ اليهودي وبحسب سفر إسدراس الثاني هو الذي استعاد و أملى الشريعة وسائر أسفار العهد القديم بعد أن أتلفت في حريق الهيكل، ورفع إلى السماء على غرار أنوش أو أخنوخ (إدريس) وإيليا (إيلياس). و السفر يصوره على أنه "موسى" جديد.
ويوجد ببلدة "تادف" بالشمال السوري ضريح للعزير/عزرا لا يزال قائما منذ قرون وقد أشار أحد الحاخامات من مالقة إلى ذلك الضريح أثناء رحلة حجه إلى القدس عام 1414م. وكان يهود حلب يحجون إلى الضريح كل عام قبل عيد الأسابيع أو شافوعوت.
فقول القرآن أن اليهود قالوا عزير ابن الله ليس معناه أنهم يقولون أنه من جوهره كما يقول النصارى في شأن المسيح ولكن قولهم ينطوى على الغلو في العزير كما هو حال غلاة المتصوفة في الأولياء حيث يدعونهم من دون الله و يتضرعون إليهم في قضاء الحاجات و تفريج الكربات و يقدمون النذور و يذبحون الذبائح. ولذلك ورد في الحديث عند البخاري:فيُقَالُ لِلْيَهُودِ: ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قالوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ. الحديث
مما يدل على أن هذه الممارسة بحق "عزير" من قبل يهود المدينة وغيرهم ليست فقط أمرا واردا بل واقعا وشائعا على الأقل حتى العصور الوسطى.
ما كتبه الحبر و الفيلسوف القرائي " سهل بن متسلياح" الذي كان مقيما بالقدس في القرن العاشر الميلادي ضد اليهود "الربانيين" منتقدا تقديس "الصديقين" قائلا: كيف لي أن أظل صامتا وهناك ممارسات وثنية متفشية في وسط شعب إسرائيل. إنهم يقضون الليالي بين القبور. إنهم يسألون الأموات متضرعين قائلين يا " يوسى الجليلي" اشفيني ، هب لي ذرية. إنهم يضيئون الشموع على قبور الصديقين و يشعلون البخور و يعقدون العقد على نخلة الصديق لشفاء الأسقام. إنهم يحجون إلى قبور الأموت من الصديقين ويقدمون النذور لهم و يتضرعون لهم ويطلبون قضاء الحاجات.
Sefer Tokhahat Megullah of R. Sahl ha-Kohen b. Masliah in S. Pinsker, Liqutei Qadmoniot (Vienna, 1860), 25–43
ومعنى قولهم ابن الله أي ابن بالاصطفاء لكن لكونه ابنه فله ما لله من الدعاء و العبادة مثلما أن لابن الملك ما للملك من امتيازات و صلاحيات يفوضها إليه. تعالى الله عن ذلك.
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. رواه البخاري ومسلم
ولكن ليس معنى هذا أن ذلك قول اليهود في كل زمان ومكان.
وكذلك تأليه مريم المشار إليه في القرآن ليس بالضرورة قول عامة النصارى بل ربما طائفة بعينها وقيل أنها المريمية أو الفطائرية.
لكن الأرجح أن المقصود هو التأليه بمعنى العبادة كما هو الحال في شأن اليهود مع عزير ولكونها "والدة الإله" Theotokos في زعمهم وهذا مشهور عن طائفة الكاثوليك وربما غيرهم أيضا في صورة التضرع لها في قضاء الحاجات والمثول أمام تصاوير العذراء ونحو ذلك من صور الغلو على غرار غلاة المتصوفة كما تقدم. ومن أمثلة ذلك الصلاة المعروفة بـ Sub tuum praesidium Ὑπὸ τὴν σὴν εὐσπλαγχνίαν أو "تحت حمايتك" وفيها: نستغيث برحمتك يا "والدة الإله" لا تزدري تضرعاتنا في أوقات الضيق بل نجينا من الأخطار يا مريم المباركة و الطاهرة.
قال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ.
ومن هذا الباب حديث عائشة رضي الله عنها قالت: لما كان مرض النبي صلى الله عليه وسلم تذاكر بعض نسائه كنيسة بأرض الحبشة يقال لها: مارية - وقد كانت أم سلمة وأم حبيبة قد أتتا أرض الحبشة - فذكرن من حسنها وتصاويرها قالت: فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه فقال: ((أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، ثم صوروا تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة)). رواه البخاري ومسلم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مناهج الغربيين في الحديث النبوي

البشارة في الإنجيل

نظرية المعنى عند شيخ الإسلام ابن تيمية ومسألة المجاز