قدرة الله على إنزال الآيات


معنى قوله تعالى: وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ۚ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.
فقولهم " لَوْلَا نُزِّلَ " هو صيغة للطلب بمعنى هلا و تقديره: هلا نزل عليه آية
وقد أشكل ذلك على بعض الناس فقالوا كيف لا يعلمون أنه قادر على أن ينزل آية وهم يقرون بأنه خالق السماوات و الأرض كما في قوله تعالى: وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ.  ولذلك فهم يطلبون آية لعلمهم أنه قادر.
والمعنى أن تكذيب قريش بالنبي صلى الله عليه وسلم في حقيقته تشكك في قدرة الله على إرسال الرسل وإنزال الكتب والبعث وليس تشكيكا في صدقه. ومن هذا الباب قولهم: نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ. وقوله تعالى: وذروا الذين يلحدون في أسمائه. قال الشيخ محمد أبو زهرة: أي: يتخذون الإلحاد والشرك في أسمائه، وذلك بالزيادة فيها بما لا يليق بالذات العلية، أو يغيروها بما لا يليق بذاته، كالمعطلة والمشبهة الذين يفسرونها بما يشبه الحوادث، أو ينقصون منها تبعا لأهوائهم. اهـ
ولهذا كانوا يقولون: مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ. وفي هذا قال الله: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ.
وكانوا يقولون: وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ. أي يستبعدون ذلك على الله. كأنهم يريدون أن يقولوا أن الله ليس له مطلق التصرف في الكون. بل كل شيء يسير وفق العادة ولا يمكن أن يتغير. وهذا بطبيعة الحال لا علم لهم به بل قالوه من باب الظن كما في قوله تعالى ردا على زعمهم: نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ. قال: وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ
فهم ما كانوا يجيزون أن الله يمكنه خرق العادات ولهذا فهم لا يعلمون حقا أنه قادر على أن ينزل آية.
فهذا الجواب نابع من العلم بطبيعة تكذيب المشركين فهم كما حكى عنهم لا يكذبونه ولكن: الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ. والمعنى أنهم لا يعتقدون في أنفسهم أنه يكذب ولكنهم يكذبون بأن الله يوحي لأحد. كما هو الحال في زماننا ترى أغلبية المؤرخين وغيرهم من العقلاء ممن تكلم في هذا الشأن من غير المسلمين لا يعتقدون أن النبي كان كذبا أو مخادعا لكنهم في الوقت ذاته لايثبتون الوحي أو يحجمون عن الخوض في ذلك.
ولكن حقيقة تكذيبهم كما تقدم هو تكذيب بالنبوة و البعث ونحوهما من قضايا الإيمان كمفاهيم مجردة وتكذيبهم بتلك القضايا هو الذي حملهم على تكذيبه في الظاهر. فإشكاليتهم مع فحوى النبوة لا مع شخص النبي. لذا قال تعالى: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ.
ولذا طالبوا بالآيات الحسية وخوارق العادات والتي هي في حقيقتها دلائل على الألوهية وليس النبوة أي كدلائل على قدرة الله على خرق السنن الكونية. ومن زعم أن الخوارق - من باب تناسب حجم الادعاء مع حجم الدليل - شرط لصحة النبوة يخلط بين الأمرين حتى إن بعضهم استند للقرآن نفسه في تقرير هذا الزعم مستشهدا بقول إبراهيم عليه السلام للجبار الذي إدعى الألوهية أن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب.
لكن ههنا لابد أن نفرق بين كون التصور المتعلق بحجم الإدعاء وحجم الدليل صحيح وبين كون ذلك يستلزم المعجزات الحسية كشرط لصحة النبوة.
أما إدعاء الجبار وكونه يستلزم دليلا من جنس خرق العادة الذي طالب به إبراهيم عليه السلام فهذا صحيح إلا أن هذا لا يستلزم أن إدعاء النبوة يقتضي خرق العادات أيضا لأنه شتان بين إدعاء النبوة وإدعاء الألوهية.
ولذلك لما سألت قريش النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون له بيت من زخرف أو يرقي في السماء وقالوا لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه أمره الله أن يرد عليهم بالقول: هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولاً.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البشارة في الإنجيل

مناهج الغربيين في الحديث النبوي

الفطرة وعلم الإدراك