بنو إسرائيل في مصر



بنو إسرائيل في مصر




بالفعل لايوجد حتى الآن دليل مباشر على وجود بني إسرائيل في مصر ضمن الدلائل الأثرية لكن هذا لا ينفي وجود أدلة مباشرة على وجودهم كأمة في الحقبة المفترضة لوجودهم في مصر. فضلا عن ذلك هناك قرائن أو أدلة غير مباشرة.


أما الدليل المباشر على وجودهم كأمة في تلك الحقبة هي لوحة مرنبتاح (ت. 1203 ق.م.)  الذى كان أحد فراعنة الأسرة التاسعة عشر. و التي تتحدث عن صده لغزو الليبيين من جهة الغرب و حملة في كنعان (فلسطين) في جهة الشرق و تتحدث عن قهره لمدن منها عسقلان  وتل الجزر ثم ورد ذكر "إسرائيل" كأمة  من الأمم البدوية أو شبه البدوية وليس كدولة. وهذه الرؤية هي التي تحظى بالاتفاق العريض بين المختصين.


أما الأدلة الظرفية أو القرائن فمنها أن السجل الأثري لمصر القديمة يظهر أنه لأن مصر كانت تتمتع بالخصب و النماء فإن الشعوب المحيطة كانت عندما يصيبها الجدب تتسلل منها إلى مصر مجموعات بحثا عن الأرض الخصبة ومن جملة هؤلاء مجموعات سامية من كنعان و بلاد الشام بوجه عام. كما كان يدخلها هؤلاء أيضا للاتجار كما يتضح من تصوير مقبرة خنوم حتب الثاني ibascha relief الذي يرجع لعصر سنوسرت الثاني (1897 ق.م. - 1878 ق.م.) مطلع الألفية الثانية قبل الميلاد. وهذا منسجم مع قصة دخول بني إسرائيل إلى مصر.


وقد بلغ هذا الأمر ذروته عندما تمكن هؤلاء الكنعانيون من حكم  منطقة الدلتا بمصر السفلى في العصر الوسيط الثاني (1650–1550 قبل الميلاد).


وبداية وجود بني إسرائيل في مصر تزامن مع العصر الوسيط الثاني الذي بدأ بحكم الأسرة الرابعة عشر التي حكمت منطقة الدلتا وكان حكامها كنعانيين  كما تقدم. وأحد حكامها كان يسمى yaqub و المعلومات المتاحة عن هذه الحقبة أصلا شحيحة و هذا يفسر لما لا يوجد اسم يوسف الذي كان بمثابة وزير الخزانة في أثار مصر القديمة.


كذلك تسخير أرقاء أسيوين في صناعة الطوب كما يتضح في تصوير من مقبرة Rekh-mi-Re رخميرع أحد وزراء الفرعون تحتمس الثالث من الدولة الحديثة.


 و من ذلك البردية Leningrad Papyrus 1116A و التى ترجع إلى عصر الأسرة 18 أى تقريبا حوالى عام 1450 قبل الميلاد و التى تذكر أنه تم تسخير الأجانب فى أعمال البناء بعد طرد الهكسوس على يد أحمس و تذكر البردية أنه تم تسخير مجموعات أسيوية فى أعمال الإنشاء العامة.


فعندما جاء الفراعنة من صعيد مصر في عهد أحمس وطردوا الهكسوس الذين هم كانوا آخر هؤلاء الملوك الكنعانيين لم يزول ذلك الوجود الكنعاني و السامي بوجه عام من مصر. ولعل هذا ما يشير إليه العهد القديم بالفرعون الذي لا يعرف يوسف.


ولعل هذا سبب تسخير الفراعنة لبني إسرائيل لأنهم يمثلون هذا الوجود الأجنبي الذي حكم  مصر السفلى لعقود من الزمن.


ومن جملة القرائن أن العهد القديم ذكر أن فرعون سخر بني إسرائيل لبناء مدينة رعمسيس. 




فمن المعلوم تاريخيا أن رمسيس الثانى قام ببناء عاصمة جديدة فى الموضع الذى يعرف الآن بقرية قنطير بمركز فاقوس بمحافظة الشرقية و كانت تسمى هذه العاصمة مدينة "بى رمسيس" Pi Ramesses و التى تعنى "بيت رمسيس" و قد خربت هذه المدينة بفعل انطمار الفرع البيلوزى Pelusiac لنهر النيل حيث حول النهر مساره عن المدينة تاركا إياها بدون مياه إلى جهة الغرب مكونا ما يعرف بالفرع التانيتى Tanitic نسبة لمدينة تانيس التى شيدت نهاية عصر الأسرة العشرين و قامت الأسرة الحادية و العشرون بجعلها كعاصمة لمصر السفلى وقاموا بتقويض المعابد و المسلات و التماثيل التى شيدها رمسيس فى بى رمسيس و قاموا بنقلها للعاصمة الجديدة وهى فى موضع صان الحجر القبلية الحالية بمركز الحسينية بمحافظة الشرقية حيث كانت على ضفاف الفرع التانيتى قبل أن ينطمر هو الآخر بدوره و من المعلوم تاريخيا أنه كان للنيل العديد من الفروع فى دلتا النيل وصل عددها لسبعة وهى البيلوزى و التانيتى و المنديسى و الفاتنتى (فرع دمياط) و السبنتينى و البلبتى (أو البلبتينى) و الكانوبى (فرع رشيد) على أن الفرع التانيتى لم يتكون إلا بعد انطمار الفرع البيلوزى و ربما هذا يفسر القول الذى حكاه القرآن على لسان فرعون : أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي..

و فى إطار ما تقدم يمكن أن نفهم قول الله تعالى : وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ..أى المدينة التى شيدها وما فيها من قصور وبنيان و حدائق و جنان بأن نضّب الفرع الذى كان يغذيها بالمياه حتى خربت و هجرت و زالت من الوجود

أما قوله تعالى : وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ.. فالأرض المقصوده هى أرض الشام كما فى قوله تعالى عن إبراهيم ولوط : ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ....



زوجة فرعون

وقد ثبت في الصحيحين من حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن مرة الهمداني عن أبي موسى الأشعري

«عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد. الحديث

وكذلك روى الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم:أفضـل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون.

و من الثابت تاريخيا أنه كان للفرعون رمسيس الثاني زوجة تسمى إست-نفرت Iset-nofret و التي تعني إست الجميلة.

تقول Joyce Tyldesle في كتابها رمسيس الثاني أعظم فراعنة مصر أن غياب لقب ابنة الملك فيما بخص إست-نفرت يدل على أنها ليست من أصول ملكية. كما أن كون احدى بناتها من رمسيس الثاني كانت تسمى Bintanath "بنت عنات" أي ابنة الاله الكنعانية عنات يدل على أن اصولها من كنعان.



هامان



هامان هو تعريب للقب الكاهن الأعلى في عصر الدولة الحديثة ḥm-nṯr tpj بمعنى الكاهن (خادم الإله) الأول


فـ ḥm-nṯr تعنى الكاهن و التي يمكن أن تنطق هـيم نوت أو هام نوت مع العلم أن اللغة المصرية القديمة لم تكن تكتب الأحرف المتحركة كالألف و الواو و الياء


و tpj تعنى الأول

و nṯr  تعني إله وقد تطور لفظها إلى ⲛⲟⲩⲧⲉ أو noute في اللغة القبطية المنحدرة من اللغة المصرية القديمة

و الاعتراض بأن ḥm تنطق (حيم أو حام) يجاب عنه بأن مخارج الهاء و الحاء متقاربة ولذلك في اللغة القبطية تنطق الكلمة ϩⲓⲙⲉ  hime  - و المنحدرة من  ḥmt  و التي تعني امرأة والمشتقة بدورها من ḥm بمعنى خادم - بالهاء و الحاء لأن الحرف هوري ϩ ينطق هاء و حاء.


وقد كان الكاهن الأعلى في عصر رمسيس الثاني يشغل منصب الوزير أيضا.

فرعون

لقد ذكر القرآن أن الملك الذي عبد بني إسرائيل بعد دخولهم إلى مصر كان يطلق عليه لفظ   "فرعون" وهو تعريب للكلمة الآرامية P'eR'uWN  ܦ݁ܶܪܥܽܘܢ  المنقولة عن العبرانية  par‛ôh פַּרְעֹה والتي بدورها  تحوير للفظ per ʿaa  في اللغة المصرية القديمة والتي كانت تستخدم في الإشارة لقصر الملك وللملك نفسه  من باب المجاز بدءا من عصر الدولة الحديثة. وبالتالي أي كلام عن أن فرعون المذكور في القرآن لا ينتمي لعصر الدولة الحديثة  ينافي دقة التعبير القرآني فضلا عن ذلك يعارض كثير من القرائن الدالة على كون فرعون الخروج ينتمي لعصر الدولة الحديثة وأن بني إسرائيل دخلوا إلى مصر في عهد الهكسوس.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البشارة في الإنجيل

مناهج الغربيين في الحديث النبوي

الفطرة وعلم الإدراك