فرعون الاضطهاد والخروج

فرعون الاضطهاد والخروج

معنى فرعون

لقد ذكر القرآن أن الملك الذي عبد بني إسرائيل بعد دخولهم إلى مصر كان يطلق عليه لفظ "فرعون" وهو تعريب للكلمة الآرامية P'eR'uWN ܦ݁ܶܪܥܽܘܢ المنقولة عن العبرانية par‛ôh  פַּרְעֹה والتي بدورها تحوير للفظ per ʿaa في اللغة المصرية القديمة والتي كانت تستخدم في الإشارة لقصر الملك وللملك نفسه من باب المجاز بدءا من عصر الدولة الحديثة. ثم صارت تستخدم بنفس الوتيرة في الإشارة إلى الملك مثل لقب ḥm حم بدءا من عصر الأسرة 19 وهو اللقب الرسمي لملك مصر حصرا بخلاف غيره من الملوك فلم يكن ذلك اللقب يستخدم في الإشارة إليهم. وكان لقب فرعون يستخدم في المكاتبات الرسمية مثل الرسالة التي بعث بها إلى "إخناتون".

وبالرغم من أن لفظ فرعون استخدم في الكتاب العبراني في الإشارة إلى ملك مصر في عهد إبراهيم ويوسف، إلا أن النصوص الإسلامية تجنبت هذا الاستخدام فأشارت لملك مصر في عهد يوسف بوصف الملك. كما أشارات للحاكم الذي أراد أن يغتصب سارة من إبراهيم بوصف الجبار. ففي الحديث أن إبراهيم قَدِمَ أَرْضَ جَبَّارٍ وَمعهُ سَارَةُ. وهذه الأرض يغلب على الظن أنها مصر كما في قول يوسف: قال اجعلني على خزائن الأرض. وكانت مصر تعرف لدى قدماء المصريين باسم kemet  والذي يعني الأرض السوداء وهذا إشارة إلى تربتها الطينية الخصبة. ولما ورد أيضا في سفر التكوين من أن الجدب أصاب أرض كنعان فحمل ذلك إبراهيم على الذهاب إلى مصر و الظاهر أن ذلك كان في عصر المملكة الوسطى في مطلع الألفية الثانية قبل الميلاد. والسجل الأثري لمصر في تلك الحقبة يظهر أنه لكون مصر كانت تتمتع بالخصب و النماء فإن الشعوب المحيطة كانت عندما يصيبها الجدب يلجأ إلى النزوح منها إلى مصر مجموعات بحثا عن الأرض الخصبة. ومن جملة هؤلاء مجموعات سامية من كنعان و بلاد الشام بوجه عام. كما كان يدخلها هؤلاء أيضا للإتجار كما يتضح من تصوير مقبرة خنوم حتب الثاني ibscha relief الذي يرجع لعصر سنوسرت الثاني مطلع الألفية الثانية قبل الميلاد.

والجبار المقصود في الحديث يغلب على ظني أنه أحد حكام أقاليم مصر (أحد أقاليم مصر السفلى تحديدا) الذين كان يشار إلى الواحد منهم بـ Ḥaty-a  حاتي عا والذين تمتعوا بقدر من الاستقلالية عن الحكومة المركزية حتى أصبحت الولاية في تلك الأقاليم بالوراثة وكان لأحدهم من النفوذ و الولاء في ولايته أحيانا ما يتخطى الطاعة للملك.

هامان

هامان يغلب على الظن أنه تعريب للقب الكاهن الأعلى في عصر الدولة الحديثة ḥm-nṯr tpj وهو بمعنى الكاهن (خادم الإله) الأول. فـكلمة ḥm-nṯr تعنى الكاهن وقد تطور نطقها في عصر الدولة الحديثة إلى ḫa-am-na-ta كما يتضح من نص بالخط المسماري باللغة الآكادية. و nṯr تعني إله وقد تطور لفظها إلى nata  في عصر الدولة الحديثة و noute في اللغة القبطية المنحدرة من اللغة المصرية القديمة.    

و الاعتراض بأن ḥm تنطق (حم ) يجاب عنه بأن مخارج الهاء و الحاء متقاربة ولذلك في اللغة القبطية تنطق الكلمة  hime  (والمنحدرة من ḥmt  و التي تعني امرأة والمشتقة  بدورها من ḥm بمعنى خادم )  بالهاء و الحاء لأن الحرف هوري ϩ ينطق هاء و حاء. وكذلك لفظ الكاهن تطور في القبطية إلhont ϩONT . وقد كان الكاهن الأعلى في عصر الدولة الحديثة يشغل أحيانا مناصب عليا في البلاط  مثل Roma- Roy الذي شغل منصب الكاهن الأعلى في عهد رمسيس الثاني ومرنبتاح كما كان يحمل لقب iry-pat والذي يعني حرفيا "أحد أعضاء النخبة" وهذا اللقب يحمله فقط أرفع المسئولين ممن يصلون إلى أعلى الرتب في البلاط الملكي. وكان المشرف على خزائن وصوامع آمون في معبد الكرنك في طيبه أو الأقصر كما كان المشرف على الإنشاءات ỉmy-r kꜣt  وسير الأعمال والحرفيين ويصدر إليهم التوجيهات كما يتضح من النقوش هناك.

وعلى خلاف ما يدعيه سفر استير من أن هامان (ويلقبونه بالأجاجي) كان وزير أحشويروش والذي يقال أنه خشايارشا الأول أو حتى غيره من ملوك الفرس، فلم يكن هناك وزير بهذا الاسم وفق الكشوف الأثرية على أقل تقدير. وقصة سفر إستير لا تعدو أن تكون مجرد قصة من نسج الخيال لتسوغ الاحتفال بعيد المساخر purim الذين يزعمون أنه يخلد ذكرى خلاص اليهود ببلاد فارس من مذبحة على يد هامان الوزير الفارسي. فزوجة خشايارشيا الأول كانت تسمى Amēstris أو  Amāstrī  والتي تعني المرأة القوية في الفارسية القديمة وليس إستير ولم تكن يهودية. وذكر المؤرخون أن خشايارشيا كان يمكنه فقط أن يتزوج بابنة أحد حلفاء أبيه (داريوس الأول) الستة.

راجع:

Quack, J. F., (2013) “Critical Remarks on a Proposed Etymology of Hebrew נצר and Aramaic Nqr”, Journal of Ancient Egyptian Interconnections 5(2), 29-32.

Graffiti in Antiquity, Peter Keegan, pp. 221, 222.

https://en.wikipedia.org/wiki/Roma_called_Roy

https://en.wikipedia.org/wiki/Pharaoh

 

 

 

هوية فرعون

يقول "ناحوم سارنا" هناك وجهتان للنظر أولاهما أن الخروج حدث حوالي عام 1440 قبل الميلاد وهذا استنادا إلى أن سفر الملوك الأول يقول بأن سليمان شرع في بناء الهيكل بعد 480 عاما من الخروج والراجح أن سليمان تولى زمام الحكم حوالي 960 قبل الميلاد.

لكن هذا التاريخ يثير إشكاليات أولاها أن هذه الفترة في القرن الخامس عشر قبل الميلاد هي فترة حكم الفرعون تحتمس الثالث وابنه أمنحوتب الثاني وإبان فترة حكم هذين الملكين القويين كانت كنعان (فلسطين) تحت سيطرة مصر وقد قاما بالعديد من الحملات العسكرية في تلك المنطقة. فضلا عن ذلك سفر يشوع لم يأت على ذكر مصر والمصريين مطلقا في غضون غزو كنعان. ثانيهما أن هذا التاريخ يتعارض مع الدلائل الأثرية. فأبكر الدلائل على استيطان الإسرائليين في منطقة الهضاب المركزية في كنعان (وهي المنطقة التي يشير سفر يشوع إلى استيطان الإسرائليين فيها) يعود إلى الفترة مابين 1200 إلى   1150 قبل الميلاد تقريبا بالتزامن مع نهاية العصر البرونزي المتأخر وبداية العصر الحديدي حيث شهدت تلك المنطقة تحولات كبرى في صورة مستوطنين جدد بأعداد كبيرة وظهور قرى على قمم التلال وعملية إزلة للغابات واسعة النطاق وتحويل المنحدرات لمصاطب أو مدرجات صالحة للزراعة لاستيعاب حاجة المستوطنين الجدد وإنشاء خزانات بطول منطقة الهضاب المركزية وعرضها تميزت ببطانة من الجص الجيري لمنع تسرب المياه. مع الأخذ في الاعتبار فترة التيه وهي 40 عاما فهذا يجعل الخروج في حدود 1240 إلى 1200 قبل الميلاد. في المقابل في القرن الثالث عشر ق. م. وبداية القرن الثاني عشر ق م حين اضمحلت السيطرة المصرية على كنعان فغياب الوجود العسكري لمصر في كنعان إبان الغزو الإسرائيلي يمكن استيعابه. فبحلول العام  1189 قبل الميلاد انقضت فترة حكم الأسرة 19 في ظل حالة من الفوضي وآخر دليل على التواجد المصري يعود لعصر رمسيس الثالث (الأسرة 20) الذي انتهى في العام 1153 حيث عثر في معقل للمصريين في "بيسان" على تماثيل عليها نقوش بالهيروغليفية تعود لرمسيس الثالث وملوك آخرين سبقوه مثل سيتي الأول ورمسيس الثاني.

فضلا عن ذلك هناك مدينة بناها الإسرائليون بتسخير من فرعون أطلق عليها إسم مدينة رعمسيس كما في سفر الخروج وهذا يتوافق مع الحقيقة التاريخية المتعلقة ببناء رمسيس الثاني مدينة في موضع أفاريس عاصمة الهكسوس (منطقة تل الضبعة) والتي تسمى بيت رمسيس. فضلا عن ذلك فالمنطقة التي أسكن فيها يوسف أبويه وإخوته سميت أرض رعمسيس في سفر التكوين (ربما بأثر رجعي من قبل كتاب العهد القديم) ما يشى بأنها هي عينها عاصمة الهكسوس أفاريس (تل الضبعة)

وهذه الرؤية يعتنقها أغلب المؤرخين ( عدا المنكرين لتاريخية الخروج ومكث بني إسرائيل في مصر) ويرون أن ما ورد في سفر الملوك عن الفترة بين الخروج وبناء الهيكل الأول ألا وهي 480 عاما وهي أيضا الفترة بين الشروع في بناء الهيكل الأول و نهاية السبي البابلي وكأن الكاتب غرضه أن يجعل الهيكل في المركز من التاريخ الكتابي، وأن الرقم 480 هو رقم رمزي وليس رقما حرفيا  (عبارة عن 12 جيلا كل جيل 40 عاما وهو رقم تقليدي في الكتاب المقدس فعلي سبيل المثال فترة التيه وفترة حكم داود و فترة حكم سليمان و مدة بقاء الكاهن الأكبر إيلي في منصب الكهانة كلها كانت 40 عاما)

فإذا أخذنا بهذا الرأي فالحقبة التي وقعت فيها حادثة الخروج هي القرن 13 قبل الميلاد (حوالي 1240 ق م - إلى 1200 ق م). وإذا علمنا أن فترة مُكث بني إسرائيل في مصر كما نص على ذلك سفر التكوين هي 400 عاما، فتاريخ دخولهم إلى مصر هو حولي العام  1640 إلى 1600 قبل الميلاد وهو ما يتزامن مع فترة حكم الهكسوس.

راجع:

Israel in Egypt: The Egyptian Sojourn and the Exodus By Nahum M. Sarna in Ancient Israel: From Abraham to the Roman Destruction of the Temple

وكذلك
Bible Unearthed by Israel Finkelstein, Neil Asher Silberman: the conquest of Canaan & Who Were the Israelites


أما بالنسبة للوح مرنبتاح (مرنبتاح ابن رمسيس الثاني) والذي يعتقد أنه فرعون الخروج فإذا قبلنا القراءة التي تقول بأن الشعب المذكور في اللوح هو شعب إسرائيل فقد يكون ذلك إشارة إلى الصدام الذي حصل بين فرعون وقومه من جهة وبني إسرائيل من جهة لدى عودة موسى حيث قال أعوان فرعون : اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ ۚ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَال. ولفظ "البذور" prt الوارد في اللوح من الواضح أنه يشير للذرية حيث يقول السطر 27: شعب "إسرائيل" دمر ولم يعد له بذور. وقد ورد في قاموس  dictionary of middle egyptian 159  أن الكلمة prt التي تشير للبذور في النص هي بمعنى الذرية وذكر ذلك في سياق الحملة على مدن كنعان لأنهم شعب كنعاني بالأساس. واللفظ الدال على إسرائيل يدل على أنهم شعب وليس مدينة كألفاظ الأسماء الأخرى الواردة بالنص الدالة على مدن. ومسألة طول فترة حكم فرعون يمكن تجاوزها بالقول أن فرعون الذي التقط موسى من اليم غير فرعون الخروج (كما تدل على ذلك التوراة أو الكتاب العبراني) فيكون الأول مثلا مات في فترة وجود موسى في أهل مدين. لأن فرعون لقب وليس اسم شخص بعينه.

الحملة المذكورة في اللوح شملت عدة مدن كنعانية لكن اللوح لا يتحدث فقط عن ذلك بل شملت أيضا صراع مع الحثيين في الأناضول و منطقة Hurru في سوريا فضلا عن الصراع مع الليبيين في الغرب.

والتعامل مع التهديد الليبي والمذكور في اللوح كان في الداخل المصري. فالمعركة المذكورة ضد الليبيين كانت ضد تحالف من القبائل الليبية وشعوب البحر حيث قامو بغزو الأراضي المصرية واستولوا على واحة سيوة وواصلوا تقدمهم نحو الدلتا لكن مرنبتاح استطاع إلحاق الهزيمة بهم في معركة دارات رحاها على الجانب الغربي من الدلتا حيث قتل 6 آلاف وأسر 9 آلاف محارب منهم. فكون شعب إسرائيل المذكور في الداخل المصري ليس أمرا مستبعدا تماما. (هذا إذا افترضنا أن ysrỉꜣr الواردة في اللوح هي يسرائيل أو إسرائيل).

ووفق هذا التصور يوجد فرعونان. الأول هو الذي التقط موسى وزوجته آسية وهو الذي يعرف بفرعون الاضطهاد وهو رمسيس الثاني وفق هذه الرؤية. وفرعون الخروج وهو مرنبتاح وفق نفس الرؤية. وعلى هذا يكون فرار موسى في عهد رمسيس وعودته من مدين بعد أن قضى فيها ١٠ سنوات في عهد مرنبتاح. ودعوة موسى فضلا عن كونها دعوة إلى إفراد الله بالربوبية والألوهية فقد كانت دعوة تحرر من الاستعباد. فلا شك أن فرعون وملأه رأوا في دعوته تلك حركة تمرد بحاجة إلى القمع. ولذا قال ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد. ولاشك أنه أراد أن يروج للقمع بتصوريه في صورة عمل بطولي.

ومما يؤيد أن الخروج كان في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، ذِكْرُ القرآن أن الله أخذ آل فرعون بسنوات جدب ونقص من الثمرات كما في قوله تعالى في سورة الأعراف: وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ. وبحسب الدراسة التي قام بها عالم الآثار إسرائيل فنكلتشتاين وآخرون (وهو من المنكرين لتاريخية الرواية التوراتية) فقد تعرضت منطقة شرق المتوسط بين عامي 1250 و 1100 إلى نوبات شديدة من الجدب أدت في نهاية المطاف إلى انهيار حضارة العصر البرونزي في المنطقة ويشمل ذلك مملكة الحثيين في الأناضول والدولة الحديثة في مصر والثقافة الموكيانية في اليونان و المركز التجاري في أوغاريت على الساحل السوري والدويلات الكنعانية التي كانت خاضعة للسيطرة المصرية ليحل محلها فيما بعد ممالك إقليمية مثل مملكة إسرائيل ويهوذا في كنعان. واعتمدت تلك الدراسة على فحص حبوب اللقاح من عينات حصلوا عليها من قاع بحر الجليل. وقد لاحظ الباحثون انخفاضا حادا في أشجار البلوط والصنوبر والخروب حوالي العام 1250 قبل الميلاد. كما لاحظوا زيادة في أنواع النباتات التي تنمو في البيئة الصحراوية شبه القاحلة. وقد لاحظوا أيضا انخفاضا في أشجار الزيتون مما يشى بأن الزراعة كانت آخذة في الإضمحلال. وعندما قورنت بيانات دراسة حبوب اللقاح في كل من الأناضول وقبرص وسوريا ودلتا النيل بمصر أشارات تلك الدراسات الجديدة إلى أن ذلك التغير المناخي شمل منطقة شرق المتوسط في أواخر العصر البرونزي. وقد جاءات التواريخ التي حصل عليها الباحثون لذلك التغير المناخي من خلال دراسة حبوب اللقاح منسجمة مع السجلات التاريخية القليلة الباقية من تلك الحقبة التي تذكر انخفاضا في الغلال وانهيار طرق التجارة وحالات الشغب والعصيان المدني وعمليات سلب ونهب المدن عندما بدأ الناس يتصارعون على الموارد المتضائلة. كما شهدت تلك الفترة أيضا ظهور ما يعرف بشعوب البحر التي أخذت تهاجم المدن الساحلية في شرق المتوسط. ( مثال على ذلك تحالف الليبيين وشعوب البحر الذي قام بمهاجمة مصر وتصدى له مرنبتاح) والدراسة التي قام بها فنكلشتاين هي بعنوان:

Climate and the Late Bronze Collapse: New Evidence from the Southern Levant


ومن جملة الدلائل على أن فرعون موسى ( أو أحدهما) هو رمسيس الثاني أنه كان لذلك الفرعون زوجة تدعى Aset. وقد ورد في الصحيحين أن امرأة فرعون تدعى آسية وفي حديث صحيح آخر أنها آسية بنت مزاحم. وقد كانت لدى رمسيس الثاني وكذلك ابنه مرنبتاح (اللذان يعتقد أنهما فرعونا الاضطهاد والخروج) زوجة تدعى "أست نفرت " وتعني أست الجميلة Iset-Nofret. فزوجة رمسيس تدعى "أست نفرت" و زوجة مرنبتاح اصطلحوا على تسميتها "أست نفرت الثانية". وهي سمية الإلهة المصرية "إزيس" Isis، إلا أن "إزيس" هو النطق اليوناني واللاتيني للكلمة أما في اللغة المصرية القديمة فهي تكتب ꜣst-nfrt وينطق المقطع الأول /ˈʔuːsaʔ/ أو /ɑsɛt/ أو aset. ومما يشي بأصولها الأجنبية(الكنعانية؟) أنه كانت لديها ابنة تدعى "بنت عنات" أي ابنة الإلهة الكنعانية عنات. وقد كان حريم قصر رمسيس الثاني يضم نساء أجنبيات.

مدينة رعمسيس

فمن المعلوم تاريخيا أن رمسيس الثانى قام ببناء عاصمة جديدة فى الموضع الذى يعرف الآن بقرية قنطير بمركز فاقوس بمحافظة الشرقية و كانت تسمى هذه العاصمة مدينة "بى رمسيس" Pi Ramesses و التى تعنى "بيت رمسيس" و قد خربت هذه المدينة بفعل انطمار الفرع البيلوزى Pelusiac لنهر النيل حيث حول النهر مساره عن المدينة تاركا إياها بدون مياه إلى جهة الغرب مكونا ما يعرف بالفرع التانيتى Tanitic نسبة لمدينة تانيس التى شيدت نهاية عصر الأسرة العشرين و قامت الأسرة الحادية و العشرون بجعلها كعاصمة لمصر السفلى وقاموا بتقويض المعابد و المسلات و التماثيل التى شيدها رمسيس فى بى رمسيس و قاموا بنقلها للعاصمة الجديدة وهى فى موضع صان الحجر القبلية الحالية بمركز الحسينية بمحافظة الشرقية حيث كانت على ضفاف الفرع التانيتى قبل أن ينطمر هو الآخر بدوره وتصير تلك العاصمة الجديدة هي الأخرى خرابا و من المعلوم تاريخيا أنه كان للنيل العديد من الفروع فى دلتا النيل وصل عددها لسبعة وهى البيلوزى و التانيتى و المنديسى و الفاتنتى (فرع دمياط) و السبنتينى و البلبتى (أو البلبتينى) و الكانوبى (فرع رشيد) على أن الفرع التانيتى لم يتكون إلا بعد انطمار الفرع البيلوزى و ربما هذا يفسر القول الذى حكاه القرآن على لسان فرعون : أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي.
و فى إطار ما تقدم يمكن أن نفهم قول الله تعالى : وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ .أى المدينة التى شيدها وما فيها من قصور وبنيان و حدائق و جنان بأن نضّب الفرع الذى كان يغذيها بالمياه حتى خربت و هجرت و زالت من الوجود.  وقد بلغ تعداد سكانها حوالى 300 ألف وبلغت مساحتها حوالي 18  كم مربع وكانت احدى كبريات مدن مصر القديمة.  وقد تمكن الباحثون باستخدام تقنية رادار قياس الأرض ground penetrating radar  من الكشف عن بنية المدينة فقد كانت عبارة عن معبد كبير في المركز وكانت تشمل قصر فرعون إضافة إلى منطقة كبيرة تضم منازل فارهة تطل على النهر في جهة الغرب تتخللها شبكة من الشوارع في شكل خطوط متقاطعة. وفي جهة الشرق كانت هناك مجموعة من المنازل المبعثرة وورش العمل. وقد عثرت بعثة الآثار النمساوية  التي نقبت الموضع على أدلة على وجود العديد من القنوات والبحيرات حتى أنهم وصفوا المدينة بفينيسيا مصر.
راجع:
en.m.wikipedia.org/wiki/Pi-Ramesses

الصلب في مصر القديمة

الصلب لغة لا يعني الوضع على الصليب. يقال صلب اللحم أي استخرج دسمه بالشوي أو الطبخ. والصليب هو الدهن أو الصديد الذي يسيل من الموتى. وفي لسان العرب: والصلب، هذه القتلة المعروفة، مشتق من ذلك لأن ودكه وصديده يسيل.فتصليبهم في جذوع النخل يعني تعليقهم أو تثبيتهم فيها. وقد وردت هذه الممارسة عن الإسكندر الأكبر فقد روي عنه أنه صلب 2000 أسيرا في مدينة صور.
وقد استخدمت النصوص اليونانية لفظي anastauroo والتي تعني قائم خشبي وكلمة  apotumpanizo  والتي تعني ثبت على جذع أو قائم خشبي بحيث يتضمن ذلك ثقب الجسدر impale. ثم تطورت هذه الوسيلة لاحقا خاصة في العصر الروماني لتصبح الصلب المشهور على قائم خشبي  متصل به جذع أفقي على هيئة صليب. وقد ذكر الصلب في التثنية 21 العدد 22 و 23 حيث وردت مسألة وضع المحكوم عليه بالإعدام بعد قتله على شجرة أو جذع خشبي. وقد وظف بولس هذه الفقرة في رسالته إلى أهل غلاطية باعتبارها نبوءة بصلب المسيح. وكذلك زعم أحبار اليهود في التلمود أنهم قتلوا المسيح رجما ثم علقوه على شجرة عملا بالثنية 21. وقد كذب الله زعمهم هذا بقوله: وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم.

لكن الصلب بمفهومه الواسع  ومعناه في الإنجليزية impalemen (وليس crucifixiion المشتقة من crux  اللاتينية)  أقدم من ذلك فهو يرجع إلى عصر ملوك مصر القديمة.
وقد عرف ذلك عن مرنبتاح فقد ورد في النص المعروف بنص أمادا من السنة الرابعة لحكم مرنبتاح Merneptah's fourth year text at Amada . و النص كما يتضح من الإسم يعود للعام الرابع من حكم مرنبتاح وهو منقوش على أسفل الجانب الأيسر لمدخل معبد أمادا في النوبة.
أنه قام بصلب الليبيين (حرفيا وضعهم على  الأشجار أو قوائم خشبية أو جذوع "أوتاد") الذين قاموا بمهاجمة الدلتا.


راجع:
Denova, Rebecca. "Crucifixion." World History Encyclopedia. World History Encyclopedia, 12 May 2022. Web. 01 Jul 2023.

وهذا نص معبد أمادا:

None survived of the people of the Libyans (5) . . . all in their land . . . in hundreds of thousands, tens of thousands; the rest were crucified (lit. placed) on the tops of trees at the south of the city of Memphis persecuted.

راجع:
www.academia.edu/34634351/MERENPTAHS_FOURTH_YEAR_TEXT_AT_AMADA

وقد أشار القرآن لذلك بقوله تعالى: وفرعون ذي الأوتاد. قال الطبري: عن مجاهد، قوله: ( ذِي الأوْتَادِ ) قال: كان يوتد الناس بالأوتاد. والوتد ما ثُبِّتَ في الأرض أو الحائط من خشب ونحوه. ويقال أوتد الوتد أي ثبته. والعبرة ههنا أنه استعمل الصلب بمعنى التثبيت على الأوتاد كوسيلة للقتل في الحديث عن فرعون . فعقوبة الإعدام في مصر القديمة كانت تنفذ عادة بهذه الوسيلة.وكذلك قطع الأيدي كقعوبة لم يعرف إلا في الدولة الحديثة (إذا استثنينا الهكسوس باعتبارهم حكام أجانب) فقد أخذوا هذه العقوبة عنهم ولم تكن من قبل.ووجد في النقوش بدءا من عهد مرنبتاح كلمة مستعارة من اللغات السامية تشير إلى اليد المقطوعة وهي كلمة kp כף والتي يقابلها "كف" في اللغة العربية.



راجع:

https://www.nature.com/articles/s41598-023-32165-8

https://www.asor.org/anetoday/2016/01/crime-and-punishment-in-pharaonic-egypt/

 





 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

البشارة في الإنجيل

مناهج الغربيين في الحديث النبوي

الفطرة وعلم الإدراك